يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في المرحلة الراهنة، مخاطر "عزله" من منصبه قبل إنتهاء ولايته، الأمر الذي دفعه إلى التحذير من إنهيار الإقتصاد في بلاده، في حال البدء بالإجراءات العملية لهذه الخطوة. الأسباب الرئيسيّة لهذه المخاطر، تعود إلى إدانة مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت بالاحتيال، واعتراف محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين بخرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية.
في هذا الإطار، يحتاج "عزل" الرئيس في الولايات المتحدة، بحسب ما ينصّ الدستور، إلى إدانته بالخيانة أو الرشوة أو جرائم كبرى أخرى أو جنح، إلا أن ذلك يتطلب التصويت بالأغلبية في مجلس النواب، وأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ.
تحقيقات مولر الأخطر
في هذا السياق، يوضح الصحافي في صحيفة "صدى الوطن" الأميركية علي منصور، في حديث لـ"النشرة"، أن إعترافات كوهين فيما يتعلق بدفع أموال لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز ونجمة مجلة "بلاي بوي" السابقة كارن مكدوغال، هي التي أثارت موجة الحديث عن إحتمال "عزل" الرئيس الأميركي، حيث أقرّ بارتكاب مخالفات فيما يتعلق بتمويل الحملة الانتخابية والتهرب من الضرائب والاحتيال المصرفي، في حين أن محامي كوهين يسأل كيف لا يعتبر هذا الأمر جرماً بالنسبة إلى ترامب كما هو الحال بالنسبة إلى موكله.
على الرغم من ذلك، يعتبر منصور أن التحقيقات التي يقوم بها مكتب المحقق الخاص روبرت مولر، بالنسبة إلى التدخل الروسي في الإنتخابات الأميركية، هي الأخطر على ترامب، موضحاً أن فريق الرئيس كان يتخوف فعلياً من مولر، لكن الضربة جاءت من إعترافات كوهين، إلا أنه في جميع الحالات ليس من السهولة في مكان "عزله"، نظراً إلى أنه بعد كل العمليات القضائية يجب الذهاب إلى الكونغرس، حيث يستحيل على "الديمقراطيين"، الذين لا يملكون الأكثرية، القيام بذلك.
من وجهة نظر منصور، بناء على إعترافات كوهين فان "العزل" يحتاج إلى أدلة دامغة، لكنه يوضح أن تحقيقات مولر تحصل بشكل بسري وسريع، وبالتالي لا يمكن توقع متى قد تظهر مفاجآت، مشيراً إلى أن مولر يسعى إلى إستدعاء ترامب إلى الإستجواب، في حين أن الأخير لا يزال يرفض، لأنه بمجرد خضوع ترامب للتحقيق لا يعرف ما هي نوعية الأسئلة التي قد توجه إليه، لا سيما أنه كان شخصية صاخبة قبل الإنتخابات.
التوازنات القائمة
في توازنات مجلسي النواب والشيوخ، يسيطر الحزب "الجمهوري" على الأغلبية في المجلسين، 240 مقعداً مقابل 195 للحزب "الديمقراطي" في الأول و53 مقعداً مقابل 45 في الثاني، ما يعني أن فرص "عزل" ترامب ستكون ضعيفة في حال حظي بدعم "الجمهوري" الذي خاض الإنتخابات الرئاسية كمرشح عنه.
وفي حين من المقرر أن تنظم إنتخابات تشريعية في الولايات المتحدة في شهر تشرين الثاني المقبل، تُطرح علامات الإستفهام حول ما إذا كان من مصلحة "الديمقراطيين" فتح معركة مسألة أو "عزل" ترامب اليوم، نظراً إلى أن النتائج قد تكون عكسيّة.
على هذا الصعيد، يشير منصور إلى أن ترامب له "أخصام" في الحزب الجمهوري، لكن هناك مصلحة عامة تدفع الحزب إلى عدم التخلي عنه كي لا يؤثر ذلك عليه، لكنه يعتبر أنه بحال الوصول إلى لحظة تكون فيها التضحية من دون ضرر قد لا يتردّد في ذلك.
ويعيد منصور التذكير بما حصل مع الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيسكون، الذي اضطر إلى تقديم إستقالته على خلفية فضيحة "ووترغيت"، بعد أن كان هناك توجهاً لـ"عزله"، وبالتالي من الممكن أن يتكرّر هذا الأمر مع ترامب، في حال كانت نتائج التحقيقات التي يقوم بها مولر تدينه.
ماذا عن البديل؟
نائب الرئيس الأميركي مايك بينس هو المرشّح لتولي الرئاسة في حال "عزل" ترامب، ويعتبر الأشد تطرفاً بين السياسيين الأميركيين الحاليين، وهو سبق له أن أيّد "حق" إسرائيل في توجيه ضربات لإيران، وكان من الداعمين للحرب على العراق في العام 2003، الأمر الذي يؤكد عليه منصور، لكنه يسأل: "كيف من الممكن "عزل" الرئيس من دون نائبه، فهو أحد المتورطين في الإتصالات مع روسيا"؟.
ويلفت منصور إلى أن بينس أكثر تطرفاً من ترامب فعلاً، لكنه منضبط في الإطار المؤسساتي للحزب "الجمهوري"، وبالتالي من الممكن "التعايش" معه، على عكس الواقع بالنسبة إلى الرئيس الحالي، حيث يعتبر الأخير أنه كان هو "الرافعة" التي قادت إلى فوز "الجمهوريين" في الإنتخابات الرئاسية.
في المحصّلة، على الرغم من العقد التي تحول دون الوصول إلى "عزل" ترامب، بسبب الإجراءات التي يتطلبها من الناحية القانونية والدستورية، إلا أنه ليس أمراً مستحيلاً، والدليل هو التصريحات التي يخرج بها الرئيس الأميركي بشكل دائم، والتي كان أبرزها التلويح بإنهيار الإقتصاد في الولايات المتحدة.